كيف يرى الناشطون السوريون دستور بلادهم المستقبلي
يحظى الدستور بأهمية بالغة في النظام القانوني للدول، فهو القانون الأعلى في البلاد، ويتضمن القواعد العامة والأساسية التي تحدد شكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم فيها (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية أم مختلطة)، كما ينظم الدستور السلطات العامة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) التي تباشر بها الدولة وظائفها واختصاص كل منها وعلاقة تلك السلطات ببعضها، ويوضح المبادئ الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية. كما أن للدستور أثراً كبيراً على مواطني الدول إذ أنه يحدد حقوقهم وحرياتهم وواجباتهم ويضع الضمانات التي تكفل لهم تلك الحقوق في مواجهة تعسف السلطة. ويسمو الدستور على جميع القواعد القانونية الأخرى في الدولة، وهو ما يعني ضرورة تقيُّد سلطات الدولة بأحكامه لدى إصدار أية قرارات أو سن أية تشريعات وبطلان ما يخالفه من تلك القرارات أو التشريعات.
في سوريا وعلى إثر الانقلاب العسكري الذي قام به حافظ الأسد عام 1970 وتوليه السلطة، تم إصدار الدستور الدائم للجمهورية في عام 1973، وفي الواقع فقد كانت أحكام ونصوص ذلك الدستور معدة لترسيخ حكم الأسد الأب وحزب البعث العربي الاشتراكي، فالمادة 8 من الدستور أكدت على أن حزب البعث هو الحزب القائد للمجتمع والدولة وأنه يقود الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم الأحزاب السياسية الأخرى في الدولة، كما منح دستور 1973 لرئيس الجمهورية صلاحياتٍ واسعة تجعله قادراً على التدخل في أعمال جميع سلطات الدولة بشكل يفرغ مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات من أي مضمون.
مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا في شهر آذار من عام 2011 وتوسع رقعتها الجغرافية، قام النظام السوري بإجراء بعض الإصلاحات الشكلية والتي كان من بينها اعتماد دستور جديد لسوريا في عام 2012 والذي ألغى المادة الثامنة من دستور عام 1973 ونص على التعددية الحزبية في سوريا، إلا أنه أبقى على الصلاحيات الواسعة وشبه المطلقة لرئيس الدولة، فهو رئيس السلطة التنفيذية وله سلطة إصدار التشريع منفرداً أو حجب تمرير تشريع أقره مجلس الشعب، كما أنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء والذي يعين قضاة المحكمة الدستورية العليا والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة إلى ما سوى ذلك من الصلاحيات كتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين واستفتاء الشعب في القضايا التي تعتبر مخالفة للدستور، إضافة للدورة الانتخابية لمدة سبع سنوات مفتوحة الإعادة والتكرار.
في واقع الأمر، لم يفلح النظام السوري في إخماد الاحتجاجات المناهضة له، بل على العكس من ذلك وبسبب اعتماد النظام الحل الأمني، فقد تحولت المطالبات المنادية بالإصلاح لمطالبات تنادي بإسقاط النظام وارتفعت وتيرة العمليات العسكرية في سوريا بشكل فاقم من معاناة السوريين بسبب عمليات الاعتقال والتعذيب وحصار المناطق المدنية والقصف باستخدام كافة أنواع الأسلحة حتى تلك المحرمة دولياً، مما أدى لسقوط أعداد كبيرة من القتلى والضحايا من المدنيين وتهجير الكثير منهم من مناطقهم الأصلية. وهو ما دفع المجتمع الدولي للتدخل سعياً لإنهاء النزاع في سوريا عبر عملية سياسية شاملة تكفل للسوريين تقرير مستقبل البلاد وتحقيق تطلعاتهم بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية في دولة المواطنة المتساوية.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة لاستطلاع آراء الناشطين السوريين والناشطات السوريات والقادة المجتمعيين والقانونيين، وغيرهم من الأشخاص المؤثرين ضمن المجتمع السوري، والمهتمين بالشأن السياسي، حول أهم المبادئ الدستورية التي يرون بضرورة النص عليها ضمن الدستور الجديد، الذي يتم العمل على صياغته حالياً، وذلك بهدف تقديم تصور واضح لأعضاء اللجنة الدستورية حول تطلعات ورغبات السوريين؛ ليتم أخذها بعين الاعتبار خلال اجتماعات اللجنة والمناقشات التي يتم إجراؤها في إطار صياغة الدستور.
تاريخ النشر: أذار 2021
الناشر: مركز انديكيتورز
كيف يرى الناشطون السوريون دستور بلادهم المستقبلي
يحظى الدستور بأهمية بالغة في النظام القانوني للدول، فهو القانون الأعلى في البلاد، ويتضمن القواعد العامة والأساسية التي تحدد شكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم فيها (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية أم مختلطة)، كما ينظم الدستور السلطات العامة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) التي تباشر بها الدولة وظائفها واختصاص كل منها وعلاقة تلك السلطات ببعضها، ويوضح المبادئ الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية. كما أن للدستور أثراً كبيراً على مواطني الدول إذ أنه يحدد حقوقهم وحرياتهم وواجباتهم ويضع الضمانات التي تكفل لهم تلك الحقوق في مواجهة تعسف السلطة. ويسمو الدستور على جميع القواعد القانونية الأخرى في الدولة، وهو ما يعني ضرورة تقيُّد سلطات الدولة بأحكامه لدى إصدار أية قرارات أو سن أية تشريعات وبطلان ما يخالفه من تلك القرارات أو التشريعات.
في سوريا وعلى إثر الانقلاب العسكري الذي قام به حافظ الأسد عام 1970 وتوليه السلطة، تم إصدار الدستور الدائم للجمهورية في عام 1973، وفي الواقع فقد كانت أحكام ونصوص ذلك الدستور معدة لترسيخ حكم الأسد الأب وحزب البعث العربي الاشتراكي، فالمادة 8 من الدستور أكدت على أن حزب البعث هو الحزب القائد للمجتمع والدولة وأنه يقود الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم الأحزاب السياسية الأخرى في الدولة، كما منح دستور 1973 لرئيس الجمهورية صلاحياتٍ واسعة تجعله قادراً على التدخل في أعمال جميع سلطات الدولة بشكل يفرغ مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات من أي مضمون.
كيف يرى الناشطون السوريون دستور بلادهم المستقبلي
مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا في شهر آذار من عام 2011 وتوسع رقعتها الجغرافية، قام النظام السوري بإجراء بعض الإصلاحات الشكلية والتي كان من بينها اعتماد دستور جديد لسوريا في عام 2012 والذي ألغى المادة الثامنة من دستور عام 1973 ونص على التعددية الحزبية في سوريا، إلا أنه أبقى على الصلاحيات الواسعة وشبه المطلقة لرئيس الدولة، فهو رئيس السلطة التنفيذية وله سلطة إصدار التشريع منفرداً أو حجب تمرير تشريع أقره مجلس الشعب، كما أنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء والذي يعين قضاة المحكمة الدستورية العليا والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة إلى ما سوى ذلك من الصلاحيات كتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين واستفتاء الشعب في القضايا التي تعتبر مخالفة للدستور، إضافة للدورة الانتخابية لمدة سبع سنوات مفتوحة الإعادة والتكرار.
في واقع الأمر، لم يفلح النظام السوري في إخماد الاحتجاجات المناهضة له، بل على العكس من ذلك وبسبب اعتماد النظام الحل الأمني، فقد تحولت المطالبات المنادية بالإصلاح لمطالبات تنادي بإسقاط النظام وارتفعت وتيرة العمليات العسكرية في سوريا بشكل فاقم من معاناة السوريين بسبب عمليات الاعتقال والتعذيب وحصار المناطق المدنية والقصف باستخدام كافة أنواع الأسلحة حتى تلك المحرمة دولياً، مما أدى لسقوط أعداد كبيرة من القتلى والضحايا من المدنيين وتهجير الكثير منهم من مناطقهم الأصلية. وهو ما دفع المجتمع الدولي للتدخل سعياً لإنهاء النزاع في سوريا عبر عملية سياسية شاملة تكفل للسوريين تقرير مستقبل البلاد وتحقيق تطلعاتهم بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية في دولة المواطنة المتساوية.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.